بسمه تعالى
لقد أمهل الله جل جلاله قوم نوح (عليه السلام) مدة طويلة لم يمهلها لأمة قط,وأغرب من هذا إنه لم يستجب لنداء السماء منهم إلا جماعة قليلة لا تتجاوز المائة,ولا يزدادون واحداً؛وكان إصرارهم على الكفر بشكل غريب,حتى إن كلا منهم كان يستنهض الآخين ويشجعهم على الكفر والطغيان....(وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً)....( نوح\23) وبعد الإعراض عن الدعوة الى التوحيد طيلة قرون متطاولة استوجبوا من نبيهم أن يدعو عليهم دعاء الإستئصال ولكن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، ولايعاجلهم بالعذاب.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما أظهر الله نبوة نوح عليه السلام أشتدت البلوى، ووثبوا الى نوح بالضرب المبرح حتى مكث في بعض الاوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام، يجري الدم من اذنه، ثم أفاق ، وذلك بعد سنة ثلثمائة من مبعثه، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون، ويدعوهم سرا فلايجيبون ويدعوهم علانية فيولون، فهمّ بعد ثلثمائة سنة بالدعاء عليهم، وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء، فهبط اليه وفد من السماء السابعة وهم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله حاجتنا أن تؤخر الدعاء على قومك، فإنها أول سطوة لله عز وجل في الأرض، قال: قد أخرت الدعاء عليهم ثلثمائة سنة أخرى، وعاد اليهم فصنع ماكان يصنع، ويفعلون ماكانوا يفعلون، حتى اذا انقضت ثلثمائة سنة أخرى، ويئس من ايمانهم، جلس في وقت ضحى النهار للدعاء، فهبط اليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه وسألوا مثلما سأل الوفد الأول، فأجابهم مثلما أجاب أولئك، حتى انقضت ثلثمائة سنة،تتمة تسعمائة سنة، فصلى ودعا، فهبط جبرائيل عليه السلام فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أجاب دعوتك، وطلب منه أن يأمر قومه بأكل الثمر وغرس النوى حتى يثمر، فلما أثمر امره الله سبحانه وتعالى أن يأمرهم أن يأكلوا من ثمره ويغرسوا نواه،ولما أثمر أمره الله جل جلاله بالأكل منه وغرس النوى حتى إذا أثمر أوحى الله إليه:
قد أجبت دعوتك فأصنع الفلك، فكان بين إجابة الدعاء والطوفان خمسون عاما(1)
أنذر الله سبحانه وتعالى قوم نوح عليه السلام محسوساً يدركه كل فرد منهم,فقد حبس عنهم المطر حتى هلكت مواشيهم ,وتلفت زروعهم, كما أعقم اصلاب رجالهم,وارحام نسائهم,فلا يولد لهم مولود , ووعدهم نوح عليه السلام ان يرفع عنهم سبحانه وتعالى هذا البلاء إن هم تابوا(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً*يرسل السماء عليكم مدراراً* ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً)....
[نوح/10-12]
استمر عليهم البلاء اربعين سنة.
روى الشيخ الصدوق طاب ثراه عن أبي الصلت الهروي قال:سئل الإمام الرضا عليه السلام: لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا في زمن نوح عليه السلام وفيها الأطفال ومن لاذنب له؟
فقال عليه السلام: ما كان فيهم أطفال , لأن الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً,فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم ، ما كان الله ليهلك بعذابه من لاذنب له، وأما الباقون من قوم نوح فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام(2)
(1) قصص الأنبياء للجزائري:92
(2)علل الشرائع :34
